علم السلطان سليم الأول، أحد سلاطين الدولة العثمانية أن الأقليات غير المسلمة الموجودة في اسطنبول من الأرمن والروم واليهود بدأت تتسبب في بعض المشاكل للدولة العثمانية، وفي إثارة بعض القلاقل فغضب لذلك غضباً شديداً، وأعطى قراره بأن على هذه الأقليات غير المسلمة اعتناق الدين الإسلامي، ومن يرفض ذلك ضرب عنقه.

وبلغ هذا الخبر مفتي الدولة الشيخ عليّاً أفندي، وكان من كبار علماء عصره، فساءه ذلك جداً، لأن إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام يخالف تعاليم الإسلام، الذي يرفع شعار {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [(256) سورة البقرة]. ولا يجوز أن يخالف أحد هذه القاعدة الشرعية، وإن كان السلطان نفسه. ولكن من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، الذي يرتجف أمامه الجميع؟ من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، ذي الطبع الحاد فيبلّغه بأن ما يفعله ليس صحيحاً، وأنه لا يوافق الدين الإسلامي؟. ليس من أحد سواه يستطيع ذلك، فهو الذي يشغل منصب المفتي في الدولة العثمانية، وعليه تقع مهمة إزالة هذا المنكر الذي يوشك أن يقع.

لبس جبته وتوجه إلى قصر السلطان، واستأذن في الدخول عليه، فأذن له فقال للسلطان: سمعت أيها السلطان أنك تريد أن تكره جميع الأقليات غير المسلمة على اعتناق الدين الإسلامي. وكان السلطان لا يزال محتداً فقال: أجل إن ما سمعته صحيح، وماذا في ذلك؟.

لم يكن المفتي من الذين يترددون عن قول الحق فقال: أيها السلطان إن هذا مخالف للشرع، إذ لا إكراه في الدين، ثم إن جدكم محمداً الفاتح عندما فتح مدينة اسطنبول اتبع الشرع الإسلامي فلم يكره أحداً على اعتناق الإسلام، بل أعطى للجميع حرية العقيدة، فعليك باتباع الشرع الحنيف، واتباع عهد جدكم محمد الفاتح. فقال السلطان وحدته تتصاعد: يا علي أفندي: لقد بدأت تتدخل في أمور الدولة، ألا تخبرني إلى متى سينتهي تدخلك هذا؟. فرد المفتي: إنني أيها السلطان أقوم بوظيفتي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس لي من غرض آخر وإذا لم ينته أجلي، فلن يستطيع أحد أن يسلبني روحي. 

فقال السلطان:  دع هذه الأمور لي يا شيخ. فقال المفتي: كلا أيها السلطان، إن من واجبي أن أرعى شؤون آخرتك أيضاً، وأن أجنبك كل ما يفسد حياتك الأخروية، وإن اضطررت إلى سلوك طريق آخر. قال السلطان: وماذا تعني؟.

فقال المفتي: سأضطر إلى إصدار فتوى بخلعك أيها السلطان، بسبب مخالفتك للشرع الحنيف إن أقدمت على هذا الأمر.

فأذعن السلطان سليم لرغبة المفتي، فقد كان يحترم العلماء ويجلهم، وبقيت الأقليات غير المسلمة حرة في عقائدها وفي عباداتها، ولم يمد أحد أصبع سوء إليهم.